منتدى الشباب
مرحبا بك ايها الزائر العزيز في منتدى تفضل بدخول لمنتدى الشباب العربي
منتدى الشباب
مرحبا بك ايها الزائر العزيز في منتدى تفضل بدخول لمنتدى الشباب العربي
منتدى الشباب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشباب

منتدى 100% شباب . منتدى الشباب والاسرة العربية
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
نرحب بك في منتدى الشباب العربي ونتمنى لك وقت ممتع معنا
يمكنك ايضا تصفح الموقع التابع لنا www.asbil.webs.com

 

 محمود درويش <<<<شتاء ريتا >>>>

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 89
تاريخ التسجيل : 02/12/2009
العمر : 33

محمود درويش <<<<شتاء ريتا >>>> Empty
مُساهمةموضوع: محمود درويش <<<<شتاء ريتا >>>>   محمود درويش <<<<شتاء ريتا >>>> Emptyالثلاثاء ديسمبر 08, 2009 6:02 pm

شتاء ريتا



ريتا ترتب ليل غرفتنا : قليل هذا النبيذ

وهذه الأزهار أكبر من سريري

فافتح لها الشباك كي يتعطر الليل الجميل

ضع ههنا قمراً على الكرسيّ

ضع فوق البحيرة

حول منديلي ليرتفع النخيل أعلى وأعلى

هل لبست سواي ؟ هل سكنتك إمرأةٌ

لتجهش كلما التفّت على جذعي فروعك ؟

حكّ لي قدمي وحكّ دمي لنعرف ما

تخلفه العواصف والسّيول

منّي ومنك ...

تنام ريتا في حديقة جسمها

توت السياج على أظافرها يضيء

الملح في جسدي . أ حبّك .

نام عصفوران تحت يديّ...

نامت موجة القمح النبيل على تنفسها البطيء

و وردة حمراء نامت في الممر

ونام ليل لا يطول

والبحر نام أمام نافذتي على إيقاع ريتا

يعلو ويهبط في أشعة صدرها العاري

فنامي بيني وبينك

لا تغطي عتمة الذهب العميقة بيننا

نامي يداً حول الصدى

ويداً تبعثر عزلة الغابات

نامي بين القميص الفستقي ومقعد الليمون

نامي فرساً على رايات ليلة عرسها ...

هدأ الصهيل

هدأت خلايا النحل في دمنا

فهل كانت هنا ريتا

وهل كنا معا ؟

... ريتا سترحل بعد ساعاتٍ وتترك ظلها

زنزانةٌ بيضاء . أين سنلتقي ؟

سألت يديها ، فالتفتّ إلى البعيد

البحر خلف الباب ، والصحراء خلف البحر

قبلني على شفتي قالت .

قلت : يا ريتا أأرحل من جديد

مادام لي عنبٌ وذاكرةٌ ، وتتركني الفصول

بين الإشارة والعبارة هاجسا ً ؟

ماذا تقول ؟

لا شيء يا ريتا ، أقلد فارساً في أغنية

عن لعنة الحب المحاصر بالمرايا ...

عنّي ؟

وعن حلمين فوق وسادةٍ يتقاطعان ويهربان

فواحدٌ يستل سكيناً وآخر يودع الناي الوصايا

لا أدرك المعنى ، تقول

و لا أنا ، لغتي شظايا

كغياب إمرأةٍ عن المعنى ،

وتنتحر الخيول في آخر الميدان ...

ريتا تحتسي شاي الصباح

وتقشر التفاحة الأولى بعشر زنابقٍ

وتقول لي :

لا تقرأ الآن الجريدة ، فالطبول هي الطبول

والحرب ليست مهنتي . وأنا أنا . هل أنت أنت ؟

أنا هو

هو من رآك غزالةً ترمي لآلئها عليه

هو من رأى شهواته تجري وراءك كالغدير

هو من رآنا تائهين توحدا فوق السرير

وتباعدا كتحية الغرباء في الميناء

يأخذنا الرحيل في ريحه ورقاً

أمام فنادق الغرباء

مثل رسائلٍ قرئت على عجل

أتأخذني معك ؟

فأكون خاتم قلبك الحافي ، أتأخذني معك

فأكون ثوبك في بلاد أنجبتك ... لتصرعك

وأكون تابوتا من النعناع يحمل مصرعك

وتكون لي حياً وميتاً

ضاع يا ريتا الدليل

والحب مثل الموت وعدٌ لا يرد .. ولا يزول

... ريتا تعدّ لي النهار

حجلاً تجمع حول كعب حذائها العالي :

صباح الخير يا ريتا

وغيماً أزرقاً للياسمينة تحت إبطيها :

صباح الخير يا ريتا

وفاكهةً لضوء الفجر: يا ريتا صباح الخير

يا ريتا أعيديني إلى جسدي لتهدأ لحظةً

إبر الصنوبر في دمي المهجور بعدك .

كلما عانقت برج العاج فرت من يديّ يمامتان ..

قالت : سأرجع عندما تتبدل الأيام والأحلام

يا ريتا طويل هذا الشتاء ، ونحن نحن

فلا تقولي ما أقول أنا هي

هي من رأتك معلقاً فوق السياج ، فأنزلتك وضمدتك

وبدمعها غسلتك ، انتشرت بسوسنها عليك

ومررت بين سيوف اخوتها ولعنة أمها وأنا هي

هل أنت أنت ؟

.. تقوم ريتا عن ركبتي

تزور زينتها ، وتربط شعرها بفراشةٍ فضيةٍ .

ذيل الحصان يداعب النمش المبعثر

كرذاذ ضوءٍ فوق الرخام الأنثوي

تعيد ريتا زر القميص إلى القميص الخردلي ... أأنت لي ؟

لك ، لو تركت الباب مفتوحاً على ماضيّ ،

لي ماضٍ أراه الآن يولد في غيابك

من صرير الوقت في مفتاح هذا الباب

لي ماض أراه الآن يجلس قربنا كالطاولة

لي رغوة الصابون

والعسل المملح

والندى

والزنجبيل

ولك الأيائل ،إن أردت ، لك الأيائل والسهول

ولك الأغاني ،إن أردت، لك الأغاني والذهول

إني ولدت لكي أحبك

فرساً ترقّص غابةً ، وتشق في المرجان غيابك

وولدت سيدةً لسيدها ، فخذني كي أصبك

خمراً نهائياً لأشفي منك فيك ، وهات قلبك

إني ولدت لكي أحبك

وتركت أمي في المزامير القديمة تلعن الدنيا وشعبك

ووجدت حراس المدينة يطعمون النار حبك

وإني ولدت لكي أحبك

ريتا تكسر جوز أيامي ، فتتسع الحقول

لي هذه الأرض الصغيرة في غرفة في شارعٍ

في الطابق الأرضي من مبنى على جبلٍ

يطل على هواء البحر . لي قمرٌ نبيذيٌ ولي حجر صقيل

لي حصة من مشهد الموج المسافر في الغيوم ، وحصة

من سفر تكوين البداية و سفر أيوب ، ومن عيد الحصاد

وحصة مما ملكت ، وحصة من خبز أمي

لي حصة من سوسن الوديان في أشعار عشاق قدامى

لي حصة من حكمة العشاق : يعشق وجه قاتله القتيل

لو تعبرين النهر يا ريتا

وأين النهر ، قالت ...

قلت فيك وفيّ نهرٌ واحد

وأنا أسيل دماً وذاكرةً أسيل

لم يترك الحراس لي باباً لأدخل فاتكأت على الأفق

ونظرت تحت

نظرت فوق

نظرت حول

فلم أجد

أفقاً لأنظر ، لم أجد في الضوء إلا نظرتي

ترتد نحوي . قلت عودي مرةً أخرى إلي ، فقد أرى

أحداً يحاول أن يرى أفقاً يرممه رسول

برسالة من لفظتين صغيرتين : أنا ، وأنت

فرحٌ صغيرٌ في سريرٍ ضيقٍ ... فرحٌ ضئيل

لم يقتلونا بعد ، يا ريتا ، ويا ريتا .. ثقيل

هذا الشتاء وبارد

... ريتا تغني وحدها

لبريد غربتها الشمالي البعيد : تركت أمي وحدها

قرب البحيرة وحدها ، تبكي طفولتي البعيدة بعدها

في كل أمسية تنام ضفيرتي الصغيرة عندها

أمي ، كسرت طفولتي وخرجت إمرأةً تربّي نهدها

بفم الحبيب . تدور ريتا حول ريتا وحدها :

لا أرض للجسدين في جسد ، ولا منفى لمنفى

في هذه الغرف الصغيرة ، والخروج هو الدخول

عبثا نغني بين هاويتين ، فلنرحل ليتضح السبيل

لا أستطيع ، ولا أنا ، كانت تقول ولا تقول

وتهدئ الأفراس في دمها : أمن أرض بعيدة

تأتي السنونو ، يا غريب ويا حبيب ، إلى حديقتك الوحيدة ؟

خذني إلى أرض البعيدة

خذني إلى الأرض البعيدة ، أجهشت ريتا : طويل هذا الشتاء

وكسرت خزف النهار على حديد النافذة

وضعت مسدسها الصغير على مسودة القصيدة

ورمت جواربها على الكرسي فانكسر الهديل

ومضت إلى المجهول حافيةً ، وأدركني الرحيل



خطبة الهندي الأحمر

(هل قلت موتى?

لا موت هناك

هناك فقط تبديل عوالم)

سياتل زعيم دواميش



1

إذًا، نحن من نحن في المسيسبّي. لنا ما تبقّى لنا من الأمس

لكنّ لون السّماء تغيّر، والبحر شرقًا

تغيّر، يا سيّد البيض! يا سيّد الخيل، ماذا تريد

من الذّاهبين إلى شجر اللّيل?

عاليةٌ روحنا، والمراعي مقدّسةٌ، والنّجوم

كلامٌ يضيء... إذا أنت حدّقت فيها قرأت حكايتنا كلّها:

ولدنا هنا بين ماءٍ ونارٍ... ونولد ثانيةً في الغيوم

على حافّة السّاحل اللاّزورديّ بعد القيامة... عمّا قليل

فلا تقتل العشب آكثر، للعشب روحٌ يدافع فينا

عن الرّوح في الأرض /

يا سيّد الخيل! علّم حصانك أن يعتذر

لروح الطّبيعة عمّا صنعت بأشجارنا:

آه! يا أختي الشّجرة

لقد عذّبوك كما عذّبوني

فلا تطلبي المغفرة

لحطّاب أمّي وأمّك...



2

... لن يفهم السّيّد الأبيض الكلمات العتيقه

هنا، في النّفوس الطّليقة بين السّماء وبين الشّجر...

فمن حقّ كولومبوس الحرّ أن يجد الهند في أيّ بحر،

ومن حقّه أن يسمّي أشباحنا فلفلاً أو هنودا،

وفي وسعه أن يكسّر بوصلة البحر كي تستقيم

وأخطاء ريح الشّمال، ولكنّه لا يصدّق أنّ البشر

سواسيّةٌ كالهواء وكالماء خارج مملكة الخارطة!

وأنّهم يولدون كما تولد الناس في برشلونة، لكنّهم يعبدون

إله الطّبيعة في كلّ شيءٍ... ولا يعبدون الذّهب...

وكولومبوس الحرّ يبحث عن لغةٍ لم يجدها هنا،

وعن ذهبٍ في جماجم أجدادنا الطّيّبين وكان له

ما يريد من الحيّ والميت فينا. إذًا

لماذا يواصل حرب الإبادة، من قبره، للنّهاية?

ولم يبق منّا سوى زينةٍ للخراب، وريشٍ خفيفٍ على

ثياب البحيرات. سبعون مليون قلبٍ فقأت... سيكفي

ويكفي، لترجع من موتنا ملكًا فوق عرش الزمان الجديد...

أما آن أن نلتقي، يا غريب، غريبين في زمنٍ واحدٍ?

وفي بلدٍ واحدٍ، مثلما يلتقي الغرباء على هاوية?

لنا ما لنا... ولنا ما لكم من سماء

لكم ما لكم... ولكم ما لنا من هواءٍ وماء

لنا ما لنا من حصًى... ولكم ما لكم من حديد

تعال لنقتسم الضّوء في قوّة الظّلّ، خذ ما تريد

من اللّيل، واترك لنا نجمتين لندفن أمواتنا في الفلك

من اللّيل، واترك لنا نجمتين لندفن أمواتنا في الفلك

وخذ ما تريد من البحر، واترك لنا موجتين لصيد السّمك

وخذ ذهب الأرض والشّمس، واترك لنا أرض أسمائنا

وعد، يا غريب، إلى الأهل... وابحث عن الهند /



3

... أسماؤنا شجرٌ من كلام الإله، وطيرٌ تحلّق أعلى

من البندقيّة. لا تقطعوا شجر الاسم يا أيّها القادمون

من البحر حربًا، ولا تنفثوا خيلكم لهبًا في السّهول

لكم ربّكم ولنا ربّنا، ولكم دينكم ولنا ديننا

فلا تدفنوا اللّه في كتبٍ وعدتكم بأرضٍ على أرضنا

كما تدّعون، ولا تجعلوا ربّكم حاجبًا في بلاط الملك!

خذوا ورد أحلامنا كي تروا ما نرى من فرح!

وناموا على ظلّ صفصافنا كي تطيروا يمامًا يماما...

كما طار أسلافنا الطيّبون وعادوا سلامًا سلاما.

ستنقصكم، أيّها البيض، ذكرى الرّحيل عن الأبيض المتوسّط،

وتنقصكم عزلة الأبديّة في غابةٍ لا تطلّ على الهاوية

وتنقصكم حكمة الانكسارات، تنقصكم نكسةٌ في الحروب

وتنقصكم صخرةٌ لا تطيع تدفّق نهر الزّمان السّريع

ستنقصكم ساعةٌ للتّأمّل في أيّ شيءٍ، لتنضج فيكم

سماءً ضروريّةً للتّراب، ستنقصكم ساعةٌ للتّردّد ما بين دربٍ

ودربٍ، سينقصكم يوربيدوس يومًا، وأشعار كنعان والبابليّين،

تنقصكم

أغاني سليمان عن شولميت، سينقصكم سوسنٌ للحنين

ستنقصكم، أيّها اٌّلبيض، ذكرى تروّض خيل الجنون

وقلبٌ يحكّ الصّخور لتصقله في نداء الكمنجات... ينقصكم

وتنقصكم حيرةٌ للمسدّس: إن كان لا بدّ من قتلنا

فلا تقتلوا الكائنات الّتي صادقتنا، ولا تقتلوا أمسنا

ستنقصكم هدنةٌ مع أشباحنا في ليإلى الشّتاء العقيمة

وشمسٌ أقلّ اشتعالاً، وبدرٌ أقلّ اكتمالاً، لتبدو الجريمة

أقلّ احتفالاً على شاشة السّينما، فخذوا وقتكم



4

... نعرف ماذا يخبّي هذا الغموض البليغ لنا

سماءٌ تدلّت على ملحنا تسلم الرّوح. صفصافةٌ

تسير على قدم الرّيح، وحشٌ يؤسّس مملكةً في

ثقوب الفضاء الجريح... وبحرٌ يملّح أخشاب أبوابنا،

ولم تكن الأرض أثقل قبل الخليقة، لكنّ شيئًا

كهذا عرفناه قبل الزّمان... ستروي الّرياح لنا

بدايتنا والنّهاية، لكنّنا ننزف اليوم حاضرنا

وندفن أيّامنا في رماد الأساطير، ليست أثينا لنا،

ونعرف أيّامكم من دخان المكان، وليست أثينا لكم،

ونعرف ما هيّأ المعدن - السّيّد اليوم من أجلنا

ومن أجل آلهةٍ لم تدافع عن الملح في خبزنا

ونعرف أنّ الحقيقة أقوى من الحقّ، نعرف أنّ الزّمان

تغيّر، منذ تغيّر نوع السّلاح. فمن سوف يرفع أصواتنا

إلى مطرٍ يابسٍ في الغيوم? ومن يغسل الضّوء من بعدنا

ومن سوف يسكن معبدنا بعدنا? من سيحفظ عاداتنا

من الصّخب المعدنيّ? (نبشّركم بالحضارة) قال الغريب، وقال:

أنا سيّد الوقت، جئت لكي أرث الأرض منكم.

فمرّوا أمامي، لأحصيكم جثّةً جثّةً فوق سطح البحيرة

(أبشّركم بالحضارة) قال، لتحيا الأناجيل، قال، فمرّوا

ليبقى لي الرّبّ وحدي، فإنّ هنودًا يموتون خيرٌ

لسيّدنا في العلا من هنودٍ يعيشون، والرّبّ أبيض

وأبيض هذا النّهار: لكم عالمٌ ولنا عالم...

يقول الغريب كلامًا غريبًا، ويحفر في الأرض بئرًا

ليدفن فيها السّماء. يقول الغريب كلامًا غريبًا

ويصطاد أطفالنا والفراش. بماذا وعدت حديقتنا يا غريب?

بوردٍ من الزّنك أجمل من وردنا? فليكن ما تشاء

ولكن، أتعلم أنّ الغزالة لا تأكل العشب إن مسّه دمنا?

أتعلم أنّ الجواميس إخوتنا والنّباتات إخوتنا يا غريب?

فلا تحفر الأرض أكثر! لا تجرح السّلحفاة الّتي

تنام على ظهرها الأرض، جدّتنا الأرض، أشجارنا شعرها

وزينتنا زهرها. (هذه الأرض لا موت فيها)، فلا

تغيّر هشاشة تكوينها! لا تكسّر مرايا بساتينها

ولا تجفل الأرض، لا توجع الأرض. أنهارنا خصرها

وأحفادها نحن، أنتم ونحن، فلا تقتلوها...

سنذهب، عمّا قليلٍ، خذوا دمنا واتركوها

كما هي،

أجمل ما كتب اللّه فوق المياه،

له... ولنا

سنسمع أصوات أسلافنا في الرّياح، ونصغي

إلى نبضهم في براعم أشجارنا. هذه الأرض جدّتنا

مقدّسةٌ كلّها، حجرًا حجرًا، هذه الأرض كوخٌ

لآلهةٍ سكنت معنا، نجمةً نجمةً، وأضاءت لنا

ليإلى الصّلاة... مشينا حفاةً لنلمس روح الحصى

وسرنا عراةً لتلبسنا الرّوح، روح الهواء، نساء

يعدن إلينا هبات الطّبيعة - تاريخنا كان تاريخها. كان للوقت

وقتٌ لنولد فيها ونرجع منها إليها: نعيد إلى الأرض أرواحها

رويدًا رويدًا. ونحفظ ذكرى أحبّتنا في الجرار

مع الملح والزّيت، كنّا نعلّق أسماءهم بطيور الجداول

وكنّا الأوائل، لا سقف بين السّماء وزرقة أبوابنا

ولا خيل تأكل أعشاب غزلاننا في الحقول، ولا غرباء

يمرّون في ليل زوجاتنا، فاتركوا النّاي للرّيح تبكي

على شعب هذا المكان الجريح... وتبكي عليكم غدا،

وتبكي عليكم... غدا!



5

ونحن نودّع نيراننا، لا نردّ التّحيّة... لا تكتبوا

علينا وصايا الإله الجديد، إله الحديد، ولا تطلبوا

معاهدةً للسّلام من الميّتين، فلم يبق منهم أحد

يبشّركم بالسّلام مع النّفس والآخرين، وكنّا هنا

نعمّر أكثر، لولا بنادق إنجلترا والنّبيذ الفرنسيّ والإنفلونزا،

وكنّا نعيش كما ينبغي أن نعيش برفقة شعب الغزال

ونحفظ تاريخنا الشّفهيّ، وكنّا نبشّركم بالبراءة والأقحوان

لكم ربّكم ولنا ربّنا، ولكم أمسكم ولنا أمسنا، والزّمان

هو النّهر حين نحدّق في النّهر يغرورق الوقت فينا...

ألا تحفظون قليلاً من الشّعر كي توقفوا المذبحة?

ألم تولدوا من نساءٍ? ألم ترضعوا مثلنا

حليب الحنين إلى أمّهاتٍ? ألم ترتدوا مثلنا أجنحة

لتلتحقوا بالسّنونو. وكنّا نبشّركم بالرّبيع، فلا تشهروا الأسلحة!

وفي وسعنا أن نتبادل بعض الهدايا وبعض الغناء

هنا كان شعبي. هنا مات شعبي. هنا شجر الكستناء

يخبّئ أرواح شعبي. سيرجع شعبي هواءً وضوءًا وماء،

خذوا أرض أمّي بالسّيف، لكنّني لن أوقّع باسمي

معاهدة الصّلح بين القتيل وقاتله، لن أوقّع باسمي

على بيع شبرٍ من الشّوك حول حقول الذّرة

وأعرف أنّي أودّع آخر شمسٍ، وألتفّ باسمي

وأسقط في النّهر، أعرف أنّي أعود إلى قلب أٌمّي

لتدخل، يا سيّد البيض، عصرك... فارفع على جثّتي

تماثيل حرّيّةٍ لا تردّ التّحيّة، واحفر صليب الحديد

على ظلّي الحجريّ، سأصعد عمّا قليلٍ أعإلى النّشيد،

نشيد انتحار الجماعات حين تشيّع تاريخها للبعيد،

وأطلق فيها عصافير أصواتنا: ههنا انتصر الغرباء

على الملح، واختلط البحر في الغيم، وانتصر الغرباء

على قشرة القمح فينا، ومدّوا الأنابيب للبرق والكهرباء

هنا انتحر الصّقر غمًّا، هنا انتصر الغرباء

علينا. ولم يبق شيءٌ لنا في الزّمان الجديد

هنا تتبخّر أجسادنا، غيمةً غيمةً، في الفضاء

هنا تتلألأ أرواحنا، نجمةً نجمةً، في فضاء النّشيد



6

سيمضي زمانٌ طويلٌ ليصبح حاضرنا ماضيًا مثلنا

سنمضي إلى حتفنا، أوّلاً، سندافع عن شجرٍ نرتديه

وعن جرس اللّيل، عن قمرٍ، فوق أكواخنا نشتهيه

وعن طيش غزلاننا سندافع، عن طين فخّارنا سندافع

وعن ريشنا في جناح الأغاني الأخيرة. عمّا قليل

تقيمون عالمكم فوق عالمنا: من مقابرنا تفتحون الطّريق

إلى القمر الاصطناعيّ. هذا زمان الصّناعات. هذا

زمان المعادن، من قطعة الفحم تبزغ شمبانيا الأقوياء...

هنالك موتى ومستوطناتٌ، وموتى وبولدوزراتٌ، وموتى

ومستشفياتٌ، وموتى وشاشات رادار ترصد موتى

يموتون أكثر من مرّةٍ فى الحياة، وترصد موتى

يعيشون بعد الممات، وموتى يربّون وحش الحضارات موتًا،

وموتى يموتون كي يحملوا الأرض فوق الرّفات...

إلى أين، يا سيّد البيض، تأخذ شعبي،... وشعبك?

إلى أيّ هاويةٍ يأخذ الأرض هذا الرّوبوت المدجّج بالطّائرات

وحامله الطّائرات، إلى أيّ هاويةٍ رحبةٍ تصعدون?

لكم ما تشاؤون: روما الجديدة، إسبارطة التكنولوجيا

وأيديولوجيا الجنون،

ونحن، سنهرب من زمنٍ لم نهيّئ له، بعد، هاجسنا

سنمضى إلى وطن الطّير سربًا من البشر السّابقين

نطلّ على أرضنا من حصى أرضنا، من ثقوب الغيوم

نطلّ على أرضنا، من كلام النّجوم نطلّ على أرضنا

من هواء البحيرات، من زغب الذّرة الهشّ، من

زهرة القبر، من ورق الحور، من كلّ شيء

يحاصركم، أيّها البيض، موتى يموتون، موتى

يعيشون، موتى يعودون، موتى يبوحون بالسّرّ،

فلتمهلوا الأرض حتى تقول الحقيقة، كلّ الحقيقة،

عنكم

وعنّا...

وعنّا

وعنكم!



7

هنالك موتى ينامون في غرفٍ سوف تبنونها

هنالك موتى يزورون ماضيهم في المكان الّذي تهدمون

هنالك موتى يمرّون فوق الجسور الّتي سوف تبنونها

هنالك موتى يضيئون ليل الفراشات، موتى

يجيئون فجرًا لكي يشربوا شايهم معكم، هادئين

كما تركتهم بنادقكم، فاتركوا يا ضيوف المكان

مقاعد خاليةً للمضيفين.. كي يقرؤوا

عليكم شروط السّلام مع... الميّتين!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://stars3.forum.st
 
محمود درويش <<<<شتاء ريتا >>>>
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محمود درويش في قصيدة فكر بغيرك

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشباب  :: منتدى الابداع :: الشعر و الزجل-
انتقل الى: